responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 626
لِأَنَّهُ الْأَتَمُّ فِي نِسْبَتِهِ إِلَى اللَّهِ. فَالنَّبْذُ عَلَى هَذَا مُرَادٌ بِهِ تَرْكَهُ بَعْدَ سَمَاعِهِ فَنَزَلَ السَّمَاعُ مَنْزِلَةَ الْأَخْذِ وَنَزَلَ الْكُفْرُ بِهِ بَعْدَ سَمَاعِهِ مَنْزِلَةَ النَّبْذِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِكِتَابِ اللَّهِ التَّوْرَاةُ وَأَشَارَ فِي «الْكَشَّافِ» إِلَى تَرْجِيحِهِ بِالتَّقْدِيمِ لِأَنَّ النَّبْذَ يَقْتَضِي سَابِقَةَ أَخْذِ الْمَنْبُوذِ وَهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا بِالْقُرْآنِ، وَالْأَصْلُ فِي إِطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ لَفْظًا وَمَعْنًى وَقِيلَ الْمَعْرِفَةُ إِذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ عَيْنَ الْأُولَى وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي إِعَادَةِ الِاسْمِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ، أَوْ تَجْعَلُ النَّبْذَ تَمْثِيلًا لِحَالِ قِلَّةٍ اكْتِرَاثَ الْمُعْرِضِ بِالشَّيْءِ فَلَيْسَ مُرَادًا بِهِ مَعْنَاهُ.
وَقَوْلُهُ: وَراءَ ظُهُورِهِمْ تَمْثِيلٌ لِلْإِعْرَاضِ لِأَنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ شَيْءٍ تَجَاوَزَهُ فَخَلَّفَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَإِضَافَةُ الْوَرَاءِ إِلَى الظَّهْرِ لِتَأْكِيدِ بُعْدِ الْمَتْرُوكِ بِحَيْثُ لَا يَلْقَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَجُعِلَ لِلظَّهْرِ وَرَاءً وَإِنْ كَانَ هُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْوَرَاءِ. فَالْإِضَافَةُ كَالْبَيَانِيَّةِ وَبِهَذَا يُجَابُ عَمَّا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنِ الْفَقِيهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْلُونَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُمْ طَرَحُوا كِتَابَ اللَّهِ أَمَامَهُمْ لِأَنَّ الَّذِي وَرَاءَ الظَّهْرِ هُوَ الْوَجْهُ وَكَمَا أَنَّ الظَّهْرَ خَلْفٌ لِلْوَجْهِ كَذَلِكَ الْوَجْهَ وَرَاءٌ لِلظَّهْرِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَيْ بِذِكْرِ الظَّهْرِ تَأْكِيدٌ لِمَعْنَى وَرَاءٍ كَقَوْلِهِمْ مِنْ وَرَاءِ وَرَاءٍ.
وَقَوْلُهُ: كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ تَسْجِيلٌ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ عَالِمُونَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كِتَابُ اللَّهِ أَوْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ التَّوْرَاةَ وَمَا فِيهَا مِنَ الْبِشَارَةِ بِبِعْثَةِ الرَّسُولِ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ.
[102]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 102]
وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102)
وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ.
قَوْلُهُ: وَاتَّبَعُوا عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ الشَّرْطِ وَجَوَابُهُ فِي قَوْلِهِ: وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الْبَقَرَة: 101] الْآيَةَ بِذِكْرِ خَصْلَةٍ لَهُمْ عَجِيبَةٍ وَهِيَ أَخْذُهُمْ بِالْأَبَاطِيلِ بَعْدَ ذِكْرِ خَصْلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ نَبْذُهُمْ لِلْكِتَابِ الْحَقِّ، فَذَلِكَ هُوَ مُنَاسَبَةُ عَطْفِ هَذَا الْخَبَرِ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ. فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِكِتَابِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ [الْبَقَرَة: 101] الْقُرْآنَ فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ نَبَذُوا كِتَابَهُ بِعِلَّةِ أَنَّهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِالتَّوْرَاةِ فَلَا يَتَّبِعُونَ مَا خَالَفَ أَحْكَامَهَا وَقَدِ اتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلتَّوْرَاةِ لِأَنَّهَا تَنْهَى عَنِ السِّحْرِ وَالشِّرْكِ فَكَمَا قِيلَ لَهُمْ فِيمَا مَضَى أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ [الْبَقَرَة: 85] يُقَالُ لَهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ تَارَةً وَتَكْفُرُونَ بِهِ تَارَةً أُخْرَى.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 626
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست